مدينة أكاد في العراق

مدينة أكاد في العراق

مدينة أكاد والتي تسمى أيضاً باسم أكادي أو أغادي، هي مدينة قديمة كانت العاصمة للإمبراطوريّة الأكدية، موقعها غير محدد بشكل دقيق حتى الآن، ولكن هناك من يرجح بأنها كانت تقع على الضفة الشرقية لنهر دجلة، ومنهم من قال بأنها تقع على الضفة الغربية لنهر الفرات بين كل من زمبير وكيش، ويعود تاريخ إنشاء وتأسيس مدينة أكاد إلى بداية العصر السرجوني، حيث أسسها الملك سرجون، وقد تميزت هذه المدينة بأنها من أوائل المدن التي تم تأسيسها لتكون عاصمة دولة تتوافق مع فكرة الإمبراطورية كنظام حكم تخضع لها الشعوب الأخرى ثقافياً ودينياً واقتصادياً.

مدينة أكاد في النصوص الأثرية

تمت الإشارة إلى مدينة أكاد أول مرة في الكتاب المقدس وتحديداً في سفر التكوين، فقد كانت أكاد إحدى المدن التي بناها النمرود في أرض شنعار – هي منطقة ذكرت في التوراة غير معروفة الحدود تقع في بلاد الرافدين- وقد أشير أيضاً إلى مدينة أكاد في النصوص السومرية والحورية واللولبية القديمة باسم أساغادي أو أوري، إلا أن الكلمة الأصلية هي أغادي المأخوذة من اللغة الأكادية.

تاريخ الإمبراطورية الأكدية

قبل ظهور الإمبراطورية الأكادية كانت بلاد ما بين النهرين تتكون من عدد من الدول والمدن، ولكل منها ملك ونظام حكم خاص بها ومنطقة نفوذ وثقافة مختلفة، وفي بعض الأحيان وبسبب تشابه في الثقافة والنظام السياسي لهذه المدن فقد كانوا يتصادمون من حين لآخر للحصول على المزيد من النفوذ والموارد، إذ كان يعيش السومريون إلى الجنوب من منطقة بلاد ما بين النهرين، بينما احتل شمال المنطقة عدد من الشعوب الذين يتحدثون اللغات السامية، ومع أن المتحدثين بهذه اللغات مختلفون، إلا أنهم يتشاركون في العديد من الخصائص الثقافية والتاريخية.

ظهر الملك سرجون في مدينة كيش عام 2350 ق.م واستطاع الاستئثار بالسلطة، بعد ذلك شكل جيشاً كبيراً فتح به المدن المجاورة لكيش، وخاض العديد من المعارك الطاحنة ضد ملك مدينة أوروك حتى تغلب عليه وأخضع معظم دويلات المدن السومرية الأخرى لحكمه، وذلك نحو عام 2340 ق.م، وبذلك وحد منطقة الهلال الخصيب وأخضع منطقة الأناضول وعيلام ومنطقة الخليج العربي تحت حكمه فصارت جميع أقطار الشرق الأوسط تحت حكمه في إمبراطورية واحدة شاسعة الأطراف، واتخذ سرجون مدينة أكاد عاصمة لها، التي تقع في المنطقة الوسطى من العراق حالياً، وذلك بالقرب من مدينة بابل وسبار.

كان الملك سرجون يقاتل بضراوة ويخضع المزيد من المدن لحكم الإمبراطورية، وفي الوقت نفسه نمت العاصمة أكاد، وأصبحت الإمبراطورية الأكادية إمبراطورية قوية شاسعة متعددة الثقافات، ونظراً لهذا التنوع الثقافي والرغبة في تجانس جميع الأراضي التابعة للملك سرجون، تعتبر الإمبراطورية الأكدية أول إمبراطورية تاريخية بالمعنى المتعارف عليه، وهو شعب ما سيطر على شعوب أخرى عسكريًا وثقافيًا واقتصادياً، وتعد الإمبراطورية الأكادية أول إمبراطورية قديمة في منطقة بلاد ما بين النهرين بعد الحضارة السومرية، وقد تمركزت في مدينة أكاد والمناطق المحيطة بها في منتصف بلاد الرافدين، وتم توحيد متحدثي اللغتين الأكادية بشقيها (الآشورية والبابلية) واللغة السومرية تحت ظل حكم واحد، وازدهرت الحضارة الأكادية خلال الفترة الممتدة بين 2200-2400 ق.م ووصلت إلى ذروتها.

الملك سرجون

معنى اسمه (شار أوكين) أي الملك الصادق أو الشرعي أو الثابت، واستلم الملك سرجون الحكم بين عاميّ 2340-2284 ق.م، وبذلك فقد حكم البلاد 56 عاماً، جلب خلالها الرخاء للشعب الأكادي واستتب الأمان في كل مكان من أرجاء البلاد، ونشر المعارف والعلوم والفنون ونظام الكتابة، وقد وجدت العديد من ألواح الطين المكتوبة بالخط المسماري باللغة الاكدية في الكثير من المستعمرات التابعة للإمبراطورية في الأناضول وعيلام تدل على كل ما قدمه سرجون للدولة، وفي زمنه أيضاً ترقت الفنون الجميلة، ففي المتحف العراقي يوجد رأس تمثال بالحجم الطبيعي مصنوع من البرونز وجد في مدينة نينوى يعود إلى تلك الفترة، يقال بأنه يمثل سرجون نفسه أو يمثل حفيده نارام سين، ويعتبر هذا التمثال من أثمن القطع الفنية وأجملها وأدقها تعبيراً، وبعد وفاة الملك سرجون عام 2284 ق.م تبعه ولداه ريموش، ثم مانشتوسو بالحكم، وقد بذل كل منهما قصارى جهده للإبقاء على كيان الإمبراطورية حتى تولى حفيده نارام سين الحكم.

الملوك الذين حكموا أكاد بعد الملك سرجون

الملك ریموش (2294-2287) ق.م

المعروف باسم ثعبان أوري أو ثعبان أكاد، والذي كان الابن الأصغر للملك سرجون، لكنه خلف والده قبل أخيه الأكبر وحكم لمدة 9 سنوات، عُرف في نقوشه الطينية بأنه ملك البحر الأعلى (الأبيض المتوسط) والبحر الأسفل (الخليج العربي)، وقد صادف عهده ثورات داخلية كثيرة، وذلك بسبب اتساع رقعة  الإمبراطورية وضمها لأمم وشعوب كثيرة كان يسعى بعضها إلى الاستقلال، كان أول الساعين للثورة والعصيان والانشقاق عن الدولة هو ملك عيلام أبال – جاماش وتم قمع حركته وأسره، وأخضع الملك ريموش بقية مدن عیلام مرتين.

حدثت ثورات عدة داخل المدن السومرية مثل مدينة أوما وكسالو، ورغم أن ریموش استخدم العنف ضد السومريين إلا أنه أيضاً حاول استمالتهم عندما جعل من اللغتين السومرية والأكادية أساس الإدارة في الدولة، كما كانت النزاعات داخل البلاط الملكي كثيرة، وهناك من يلوم الملك ریموش على سياسته العنيفة مع السومريين، وبسبب ذلك اشتدت الخلافات في البلاط وأدت لاغتيال الملك ريموش وتولى أخوه الأكبر الحكم بعده.

الملك مانیشتیشو (2287 -2272) ق.م

المعروف باسم منیس، وهو ثالث ملوك الإمبراطورية الأكادية وهو ابن الملك سرجون الأكبر، تولى الحكم بعد وفاة أخيه ريموش عام 2276 ق.م، وعلى الرغم من توليه العرش إلا أنه لم يتمكن من الاستيلاء على كافة المدن السومرية التي استقلت في عهد أخيه، كما أنه لم يستطع استعادة المدن العيلامية التي استقلت قبل فترة قليلة من نهاية حكم والده سرجون، كان الملك مانیشتیشو عكس أخيه الأصغر تماماً فقد اتبع سياسة سلمية مع السومريين والعيلاميين، وقد حصد ثمار هذه السياسة عندما ساد الاستقرار، وأصبح هناك نهضة فنية وتجارية وحضارية واضحة، والمعركة الوحيدة التي خاضها خلال فترة حكمه هي عندما أعلنت 32 مملكة من مدن ما وراء البحر الثورة عليه، عندها جهز حملة عسكرية كبيرة وأعاد إخضاعهم لحكم الإمبراطورية الأكادية مرة أخرى.

كتب الملك مانیشتیشو سياسته الزراعية في مسلة حجرية من حجر الدیوریت نصبت في مدينة سیبَّار، وخلال فترة حكمه اشترى الكثير من العقارات والأراضي الزراعية الواسعة في المدن السومرية منها مدينتيّ كیش وأوما، وكانت فتوحاته العسكرية رغم طابعها الاقتصادي تهدف إلى تعزيز نظام الحكم الأكادي بوجه مدن عيلام الناشطة بقوة في مناطق الخليج العربي، ومن أهم إنجازاته تطوير فن الكتابة والتعدين وصناعة الأختام الأسطوانية والزقورات، والاهتمام بفن النحت وبناء السدود والقنوات المائية للزراعة، وصتاعة أنسجة الكتان وتطوير فن الحلي، والأسلحة، وصناعة أدوات الزراعة والبناء وغيرها، وقد توفيّ عام 2261 ق.م، وتولى الحكم بعده ابنه نرام سين.

الملك نارام سين (2260-2223) ق.م

استطاع الملك نارام سين إعادة فتح جميع الأقطار التي كانت تحت حكم جده سرجون وإخضاعها مرة أخرى للحكم الأكادي، وأضاف إليها مقاطعات جبلية جديدة منها منطقة اللولوبيين الواقعة في جبال زاكروس وأخضع أيضاً العيلاميين، وقد خلد نرام سن فتوحاته في مسلة كبيرة مصنوعة من الحجر تمثله على رأس جيشه في منطقة جبلية وعرة، وهذه المسلة معروضة في متحف اللوفر بباريس تم إيجادها قبل أكثر من نصف قرن في مدينة سوسة عاصمة العيلاميين الواقعة الآن في إيران، وقد قام الملك نرام سن بأعمال عمرانية واسعة ومتنوعة خلال فترة حكمه، حيث نظم الحياة الاجتماعية في البلاد وسار على عدد من القوانين الموحدة التي نشرها جده سرجون من قبل، وجعل اللغة الاكدية لغة رسمية في جميع منطقة الهلال الخصيب، واستمر حكمه لحوالي 37 سنة تولى الحكم من بعده ابنه شار كالي شارّي الذي انتهت الدولة الأكدية بعد 25 عاماً من حكمه.

الملوك الثلاثة الضعفاء (2192 -2154) ق.م

تولى الحكم بعد الملك نارام سین عدد من الملوك الضعفاء الذين لم يستطيعوا الحفاظ على سلطة الدولة الأكادية، فقد كان عهد الملك شار كالي شاري صعباً منذ بدايته لأنه كان عليه أن يبذل قدراً كبيراً من الجهد في إخماد الثورات التي قامت بعد وفاة والده، ولكنه على عكس أسلافه كان يفتقر إلى القدرة على الحفاظ على النظام ولم يكن قادراً على منع المزيد من الهجمات العسكرية على الإمبراطورية من الخارج، حيث انتهزت القبائل الكوتية (الجوتيين) ضعف الملك وهاجمت البلاد خاصة وأن هناك اضطرابات داخلية في البلاد قامت على يد السومريين والمدن السومرية الواقعة تحت الحكم الأكادي، ويشكل الملوك الثلاثة (إيلولو، دودو، شودورول) نهاية الإمبراطورية الأكادية، فقد استمر تداعيهم وضعفهم لمدة 38 عاماً اجتاحت خلالها قبائل الكوتيين المدن الأكادية وانفصلت جميع المدن والشعوب التي كانت خاضعة للأكاديين، وهناك من يرى أن سلالة أوروك السادسة (أو الثالثة) قد استلمت زمام حكم وادي الرافدين لمدة قرن بعد الملك شودورول ثم حكم الكوتيون البلاد، وكانت أكاد في هذا الوقت قد سقطت نهائياً، حيث سقطت الإمبراطورية الأكادية حسب أقوال التاريخ في القرن 22 ق.م، في غضون 180 عاماً من تأسيسها، وبدأ العصر المظلم في بلاد ما بين النهرين.

تزعم الدراسات التاريخية الحديثة أن تغير المناخ على الأرجح هو الذي تسبب في المجاعة التي أصابت الإمبراطورية الأكادية قبل انهيارها، وربما تعطيل التجارة، الأمر الذي أضعف الإمبراطورية لدرجة أنه لم يعد من الممكن التعامل مع أي نوع من الغزوات والتمردات التي كان يمكن سحقها في الماضي بسهولة. 

اللغة الأكادية

اللغة الأكادية القديمة انقرضت الآن ونظام كتابتها انقرض أيضًا، وقد تم التحدث بها بشكل أساسي في بلاد ما بين النهرين خلال فترة طويلة من الزمن من قبل الآشوريين والبابليين، وذلك خلال الألفية الثانية قبل الميلاد، وأصبحت اللغة الأكادية اللغة الرسمية للإمبراطورية الأكدية، وذلك في محاولة لإزاحة اللغة السومرية وإجبار الشعوب والدول التي تم فتحها على تعلمها كوسيلة لتوحيد الدولة.

جاءت اللغة الأكادية إلى بلاد ما بين النهرين من منطقة الشمال مع الشعوب السامية، وتم العثور على أسماء العلم الأكادية الأولى في النصوص السومرية من حوالي 2800 ق.م، ما يشير إلى أن الناطقين باللغة الأكادية قد عاشوا واستقروا بالفعل في أراضي بلاد ما بين النهرين، ويعود تاريخ أول الألواح الطينية المكتوبة بالكامل باللغة الأكادية باستخدام النظام المسماري إلى حوالي 2400 ق.م، وبفضل القوة الهائلة للإمبراطوريّة الأكادية وروحها في فرض اللغة، فقد انتهت إلى إبعاد اللغة السومرية في كل من السياقات القانونية والدينية، لتصبح اللغة الأكادية هي المهيمنة في جميع بلاد ما بين النهرين منذ ما يقرب من 1000 عام، كما أنها أصبحت لغة مشتركة في العلاقات التجارية والدبلوماسية، حيث استخدمها المصريون الفراعنة عندما تحدثوا مع ملوك الحثيين.

بما أن اللغة الأكادية من اللغات السامية فإن هناك من يعتبر الأكاديون جماعة عربية هاجرت من منطقة شبه الجزيرة العربية لتستقر لاحقاً في بلاد ما بين النهرين، وذلك منذ نحو 6000 عام، وتحديداً في الألف الرابعة قبل الميلاد، إلى جانب السومريين الذين كانوا موجودين في المنطقة، قبل الهجرة العربية القديمة، وذلك بحسب مصنفات معاصرة، منها كتاب “الأكّدية العربية” وكتاب “اللغة الأكدية، البابلية الآشورية” وكتاب “قاموس اللغة الأكدية-العربية” وغيرها.

سيطر الأكاديون على معظم منطقة ما بين النهرين، ويرجع أول معجم لغوي معروف في التاريخ إلى تلك المرحلة، وذلك بحسب المصادر والكتب السابقة، حيث عرف فيها معجم اللغة الأكدية-السومرية، والعكس، فيما صارت اللغة الأكادية لغة التخاطب العالمي، واستمرت كذلك لنحو 2000 عام، لتزاحمها بعد ذلك اللغة الآرامية وتأخذ مكانها، إلى أن حلّت اللغة العربية بشكلها الحالي (العربية الفصحى) مكانها بعد سلسلة طويلة من تطورات وحضور لغات وسيطة كالسريانية.

مميزات وحقائق عن الحضارة الأكادية

  • كان تأسيس مدينة أكاد حجر أساس لتأسيس إمبراطورية كاملة، والتي تشتمل العديد من البلدان والأقاليم الواقعة خارج العراق.
  • كانت مدينة أكاد ذات طبيعة عسكرية.
  • الإمبراطورية الأكادية تعتبر أول إمبراطورية متعددة الجنسيات واللغات في العالم.
  • دام حكم الإمبراطورية الأكادية 180عاماً، وذلك ما بين أعوام 2334-2154 ق.م.
  • قامت دولة أكاد بتطوير الفن والأدب والعلوم.
  • أصبحت الهندسة المعمارية أكثر تطوراً، وظهرت في أكاد المباني ذات الشكل الهرمي.
  • خلال فترة الحكم الأكادي نمت التجارة خارج حدود بلاد ما بين النهرين، وتم تعزيز الاقتصاد من خلال الزراعة البعلية وخاصة في شمال البلاد.
  • كانت هناك مبادلات تجارية بين كل من الهند وأكاد، حيث كانت الهند تصدر اللؤلؤ والعاج مقابل السلع الأكدية مثل زيت الزيتون والصوف.
  • كان لدى الأكاديين طابع ديني منفتح، ولم يُفرض الدين على أحد.
  • بعد سقوط الإمبراطورية الأكادية انقسم الشعب الأكادي إلى قسمين: القسم الأول في آشور في الشمال، والقسم الثاني ظهر بعد عدة قرون في جنوب مدينة بابل.
مواقع مجاورة
عرض الكل