دليل قصر التاج الشامل

دليل قصر التاج الشامل

ازدهرت الحضارة العربية الإسلامية في القرن العاشر الميلادي في مختلف المجالات، ولعلّ أبرز هذه المجالات هو فن العمارة الإسلامية الهندسية العجيبة، والتي قام عليها العديد من المهندسين العرب، ويعد قصر التاج أحد أهم التحف الفنية المعمارية التي تُظهر براعة العرب الهندسية، وهو واحد من أهم وأشهر القصور العباسية، والذي سنأتي على ذكر تفاصيله في هذا المقال.

موقع قصر التاج

يقع قصر التاج في مدينة بغداد على الجانب الشرقي لنهر دجلة، حيث ورد عن ياقوت الحموي أن جعفراً بنى قصراً في الجانب الشرقي لنهر دجلة ليكون موضع الخلافة العباسية العظيمة، وقد بينت المخططات الحديثة أن القصر يقع على شاطئ نهر دجلة بالقرب من منتصف شارع الرشيد سابقاً وهو شارع المستنصر حالياً، وورد عن الباحثين أن آثار القصر تقع تحت غرفة تجارة بغداد حالياً. 

تاريخ قصر التاج 

يعود قصر التاج في تاريخه إلى عهد الخليفة هارون الرشيد والذي حكم في الفترة 170-193هـ، وقد مر إنشاؤه وإتمام مبانيه بعدة مراحل، فكان أول من بدأ ببنائه جعفر البرمكي، ثم انتقل إلى الخليفة العباسي المأمون وسُمي باسمه، وكان القصر المفضل لديه، فاهتم به اهتماماً كبيراً كان من مظاهره تأسيس ميداناً لِلخَيل واللعب بالصوالجة، وأجرى في القصر نهراً ساقه من نهر المعلى، ومن الخليفة المأمون انتقل القصر إلى الحسن بن سهل لِيَسكنه بعد زواجه من ابنته بوران، فأصبح القصر يُعرف بالقصر الحسني، وبعد وفاة المأمون أصبحت ملكية القصر تعود إلى بوران فجددت القصر ورممته، ثم تنازلت عنه للخليفة المعتمد وقيل إنه أخذ القصر منها وعوضها عنه.

بعد ذلك بدأ الخليفة المعتمد بتوسعة القصر، وأحاطه بِسور وبنى حوله عدة منازل، وبعد وفاته ورث القصر الخليفة المعتضد بالله والذي تابع بناء القصر ولكنه لم ينته منه، وقيل إنه وصل للقصر صيفاً فوجد البخار يرتفع من النهر للقصر فكرهه لشدة الرطوبة وابتعد عنه مسافة ميلين وبنى قصر الثريا، وبعد وفاته انتقلت ملكية قصر التاج إلى ابنه المكتفي بالله وهو الذي أتم بناء القصر مستفيداً من أحجار إيوان كسرى أو ما يعرف بالقصر الأبيض، ويُمكن القول أنه قد توالى على القصر عدة خلفاء عباسيين حتى وصل إلى صورته الأخيرة في عهد المكتفي بالله عام 295هـ.

احتراق قصر التاج

سقطت صاعقة على دار الخلافة العباسية في عهد الخليفة المقتفي لأمر الله، أدت إلى اشتعال النيران فيها لمدة تسعة أيام، الأمر الذي أدّى لاحتراق دار الخلافة كاملة وقبة القصر، فظهرت كالفحم بعد إخماد النيران، وما لبث الخليفة المقتفي لأمر الله إلّا أن أعاد بناء القبة بالجص والآجر دون أساطين الرخام، ولكنه لم يتمّ بناء الدار وأهملها حتى مات، وقيل إن سبب إهمال البناء هو ارتفاع التكاليف.

بقيت دار الخلافة على حالها حتى سنة 547هـ، حيث أمر الخليفة المستضيء بأمر الله بنقضها وإبراز المسناة الخاصة فيها لِتُصبح بمحاذاة مسناة قصر التاج والتي كانت قد أقيمت عند أساساته لِصد تيار دجلة عنه، والجدير بالذكر أنه لم يبق من قصر التاج مع نهاية الدولة العباسية إلّا اسمه، فكان يُطلق اسم التاج على الصحن الذي تتم فيه مبايعة الخلفاء على شاطئ نهر دجلة.

قيل أنه كان للعوامل البشرية أيضاً دور كبير في خراب قصر التاج، مثل الثورات وحوادث الشغب التي كانت تحدث في العصر العباسي وخاصة في عهد الخليفة المقتدر بالله، فقد كان الثوار ينهبون الخزائن، ويقتلون الوحوش والطيور الموجودة في حِيَر الحيوانات في القصر ويسلبون الآلة والمتاع.

أهم المواقع الأثرية في قصر التاج

اشتمل قصر التاج على العديد من المعالم التي أظهرت مدى تطور العلوم الهندسية في الحضارة العربية الإسلامية، ومنها:

  • واجهة قصر التاج: بُنيت واجهة القصر على خمسة  أقواس، كل قوس قائم على عشرة أعمدة، خمسة من كل طرف وارتفاع كل منها خمسة أذرُع، ويُقال أن الأقواس كان لها شكل مدبب وهو المتعارف عليه في العهد العباسي، وقد كان عدد الأعمدة التي تقوم عليها الواجهة كفيلاً بإعطاء القصر فخامة وهيبة قبل الدخول إليه ورؤيته من الداخل.
  • قبة الحمار: بناها المكتفي بالله، وهي أحد مرافق قصر التاج، وبُنيت على أعمدة رخامية، والطريق إليها لولبي وواسع، وسُميت بذلك لأن كان لا بد من ركوب حمار للوصول إليها لارتفاعها، وقد بُنيت بانحدار مدروس وقطر كبير كي يشعر المرء بأمان أثناء الصعود بالرغم من الارتفاع المتزايد.
  • دور القصر: بناها المقتدر بالله، وعددها ثلاثة وعشرون داراً، ومنها دار الخيل التي كان يستعرض فيها الخيول، ودار الوحش وفيها الكثير من أصناف الوحوش التي كانت تتشمّم الناس وتأكل من أيديهم، حيث كانت فكرة ترويض الوحوش تعجب الخلفاء العباسيين لأنها تُظهر مدى قوتهم، وهناك أيضاً دار الفيلة ودار السبع، ودار الجوسق ودار الشجرة وغيرها.
  • قصر الفردوس: هو متحف حربي تُستعرض فيه الأسلحة الحربية التي كانت تُستعمل في ذلك الوقت، وهو أول متحف حربي ذكره التاريخ.
مواقع مجاورة
عرض الكل