مدينة إريدو هي إحدى أوائل المدن التي تم بنائها خلال الحقبة السومرية القديمة والتي يُعتقد أن تاريخها يرجع لأكثر من 5000 عام، وتمتعت المدينة بأهمية خاصة خلال الحقبة السومرية نتيجة المعتقدات السائدة خلال هذه الفترة بقيام الإله إنكي ببناء المدينة بنفسه، والتي ترتب عليها تحول المدينة لمكان لعبادة الإله إنكي داخل المعبد الذي تم تشييده لهذا الغرض، وخلال العصر الحديث حظيت مدينة إريدو بنفس الأهمية والاهتمام، حيث تم إدراج مدينة أريدو على قائمة التراث العالمي لمنظمة اليونسكو، كما جذبت انتباه الكثير من علماء الآثار الراغبين في كشف المزيد عن المدينة لفك ألغاز الحقبة السومرية.
موقع مدينة إريدو الأثرية
تقع مدينة إريدو أو المكان الضخم، كما يعني الاسم باللغة السومرية القديمة، جنوب العراق في محافظة ذي قار، وتحديداً في منطقة تل بوشهرين الغنية بالمواقع الأثرية التي تنتمي للحقبة السومرية؛ مثل مدينة أور الأثرية التي كانت عاصمة الدولة السومرية عام 2100 قبل الميلاد.
خريطة مدينة إريدو الأثرية
التنقيب عن مدينة إريدو
كما ذكرنا سابقاً أن مدينة إريدو جذبت انتباه الكثير من علماء الآثار، وهو الأمر الذي ترتب عليه العمل على الكثير من الدراسات لتبدأ عمليات البحث والتنقيب عن المدينة منذ نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، ولم تسفر هذه العمليات عن الوصول لأي نتيجة، وخلال حقبة الأربعينيات من القرن العشرين تم استئناف عمليات التنقيب تحت إشراف المديرية العامة للآثار والتراث العراقية، ونجحت العمليات هذه المرة في الكشف عن السور المحيط بالمدينة الذي تم تشييده بالحجارة، وتبلغ أبعاده 400 متر طولاً و300 متر عرضاً، كما تم الكشف عن زقورة تم تشييدها في عهد الملك أورنمو في عصر أسرة أور الثالثة، كما تم العثور على بعض طبقات المعابد، والتي تم تشييد بعضها فوق أنقاض معابد تعرضت للتدمير، والكشف عن بقايا قصر من عصر الأسرات المبكر، وبتحليل آثار المدينة التي تم اكتشافها كانت النتيجة أن جميعها تنتمي لفترة الألفية الثالثة قبل الميلاد أو الفترات السابقة عليها، وهو ما قد يدل على صحة الفرضية التي وضعها عالم الآشوريات الأمريكي أ. ليو أوبنهايم التي أكدت على أن المدينة تم هجرها لبعض الأسباب التي لم يتم التحقق منها حتى هذه اللحظة؛ مثل زيادة هيمنة حكام المدن الشمالية أو زيادة ملوحة التربة في المدينة.
تاريخ مدينة إريدو
يرجع تاريخ بناء مدينة إريدو لعام 5400 قبل الميلاد بالقرب من مصب نهر الفرات، وكما تؤكد المؤرخة النمساوية جويندولين ليك، فإن إريدو تأسست نتيجة التقاء ثلاثة أنظمة بيئية وإمكانية الوصول للمياه العذبة في بيئة صحراوية، وخلال هذه الفترة بدأ العمل في تشييد المدينة، حيث تم استخدام الطوب اللبن لتشييد المنازل والقنوات في الوقت الذي كان أغلب السومريون يعيشون في أكواخ مشيدة من أعواد القصب، بينما عاش رعاة الأغنام في خيام بدائية الصنع، ورغم التطور الكبير الذي بدت عليه مدينة إريدو خلال هذه الفترة والتي كان أبرز معالمها تشييد قصر ضخم، إلا أن أحوال المدينة بدأت في التدهور بداية من تاريخ 2050 قبل الميلاد، وأكدت العديد من الأدلة التاريخية على انخفاض عدد سكانها بعد هذا التاريخ قبل أن يتم هجرها بصورة كاملة في القرن السادس قبل الميلاد، وخلال الحقبة البابلية الحديثة تم إعادة بناء مدينة إريدو لتكون بمثابة معبداً تقديراً لتاريخها القديم.
أساطير مدينة إريدو
تحدثت الأساطير السومرية القديمة عن أن تأسيس مدينة إريدو تم بواسطة الإله مردوخ لتصبح بمثابة مدينة المقدسة للآلهة، حيث جاء الإله إنكي السومري ليشارك الإله الأكادي إيا الحكم، وقام إله مدينة الوركاء إنانا بالذهاب لمدينة إريدو لتلقي هدايا الحضارة، وعند ذهابها للمدينة وافق الإله إنكي إله إريدو على أن تكون مدينة الوركاء بمثابة مركز الأرض، وهي العلامة التي فسرها خبراء الآثار بأنها كانت بمثابة إعلان تحول السلطة نحو الشمال. أيضاً تحدثت أساطير مدينة إريدو عن قائمة من الملوك السومريين الأسطوريين لعل أبرزهم الملك علالنجار الذي تؤكد الأساطير على استمرار حكمه لأكثر من 36 ألف عام، والملك ألوليم الذي حكم لأكثر من 28 ألف عام.