يعرف تل الصوان بأنه موقع أثري يقع في محافظة صلاح الدين وسط العراق، وتحديداً على الضفة الشرقية لنهر دجلة، وتبلغ أبعاده 220*110 متر، وتبلغ مساحته حوالي 2.4 هكتار، وقد بدأت عمليات التنقيب فيه من قبل مجموعة من البعثات العراقية منذ الستينات في القرن العشرين.
تاريخ تل الصوان
كان لسكان تل الصوان مكانة اجتماعية واقتصادية عالية جعلت منه واحداً من أكبر المناطق وأهم الأجزاء التابعة لحضارة سامراء، والتي انتشرت بدورها على مساحة واسعة في منطقة شمال بلاد الرافدين والجزيرة السورية، وكان لها دور كبير في تأسيس الحضارات اللاحقة قبل أن تنهار في مطلع الألف الخامس قبل الميلاد دون معرفة الأسباب الحقيقية وراء ذلك.
من ناحية أخرى، فقد عمل سكان هذا التل في زراعة الذرة، والشعير، والقمح، والكتان؛ وخاصةً بعد أن عرفوا السقاية أو الري المنظم، ويستدل على ذلك من خلال مجموعة السواقي والأقنية التي وجدت في الموقع، وليس هذا فحسب؛ حيث اصطادوا أيضاً مختلف أنواع الحيوانات البرية بما في ذلك: حمار الوحش، والغزلان، والأسماك، والطيور وغيرها، كما دجنوا البقر، والماعز، والغنم، والكلاب، وبرعوا في صناعة الأواني الفخارية، وقد تم الاستدلال على بعض ملامح الحياة في ذلك الوقت من خلال عدد من المقتنيات الأثرية المكتشفة في الموقع مثل: مجموعة من الأسلحة النحاسية، والأدوات الحجرية والعظمية، والأدوات الزراعية المتنوعة.
عمليات التنقيب في تل الصوان
كشفت عمليات التنقيب التي أجريت في المنطقة عن وجود قرية متطورة يعود تاريخها إلى العصر الحجري الحديث، ويعتقد بأنها عاشت على امتداد النصف الثاني للألف السادس قبل الميلاد، وهي عبارة عن مستوطنة محمية بأقدم أنواع التحصينات في الشرق القديم؛ وهي خندق مزدوج يليه سور دفاعي مزود بعدد من البوابات ذات المداخل المنحنية، بالإضافة إلى عدد من الأسوار التي تحيط ببعض الأبنية المهمة في المدينة.
أما عن الأبنية الموجودة في هذه القرية فهي مبنية من اللبن المقولب وفيها العديد من الغرف، وقد طليت أرضها وجدرانها بالجص وزودت بالعديد من الدعامات، وهي منظمة بشكل دقيق يشبه حرف T، وقد كان بعضها عبارة عن معابد، ومشاغل، وأفران، وبيوت سكن تفصل بينها باحات مزودة بأفران وتنانير وغرف تخزين، بينما كان بعضها الآخر عبارة عن منشآت عمرانية تفصل بينها مجموعة من الشوارع الرئيسية والفرعية، وأقنية فخارية مخصصة لتصريف المياه.
المقتنيات الأثرية المكتشفة في تل الصوان
ظهرت مجموعة من المقتنيات الأثرية خلال البحث والتنقيب في هذا الموقع، وكان من أبرزها أنواع عديدة من الطاسات، والصحون، والكؤوس المزينة بمجموعة من الزخارف الهندسية، والنباتية، والحيوانية، والتي تظهر فيها أشكال الأسماك، والمياه، والنساء الراقصات ذوات الشعر الطويل، والوجوه البشرية التي تظهر عليها آثار الوشم، ناهيك عن أشكال الغزلان، والعقارب، والطيور وغيرها، وليس هذا فحسب؛ حيث عثر أيضاً على مجموعة من التماثيل التي صنع بعضها من الرخام وبعضها الآخر من الطين، والتي تجسد مجموعة من النساء اللواتي يغطين رؤوسهن، ويمتلكن عيوناً منزلة بالأحجار النادرة، وحواجب محززة وأنفاً بارزاً وملامح وجه واضحة، كما عثر أيضاً على بعض التماثيل بلا رؤوس، وبعض الدمى التي تجسد حيوانات مختلفة ومنها حمار الوحش، ومجموعة متنوعة من الأختام والخرز المصنوع من النحاس.
تم أيضاً اكتشاف مجموعة من القبور خلال عمليات التنقيب تحت المباني الموجودة في المنطقة، حيث يعود بعضها لأطفال ويعود بعضها الآخر لأشخاص يافعين، وقد لوحظ بأن الأطفال كانوا يدفنون في جرار من الفخار أو الرخام، أو في سلال مطلية بالقار، أما اليافعون فكانوا يدفنون في وضعية مثنية داخل حفر بيضوية الشكل، وقد تم لف جميع الموتى بالقماش والحصر، وزينوا بمختلف أنواع الحلي المصنوعة من الأحجار الثمينة النادرة، والنحاس، والقواقع، والصدف، والأوبسيديان، وزودوا بمجموعة من التماثيل والأواني الفخارية، وقد أشار بعض المؤرخين إلى أن دفن الموتى بهذه الطريقة يدل على التمييز الاجتماعي والطبقي الذي كان سائداً في ذلك الوقت.