تأسست مدينة سامراء عام 836، وتُعدّ العاصمة الإسلاميّة الوحيدة التي ما زالت محتفظة بآثارها وهندستها المعماريّة، حيث تم تسميتها كموقع للتراث العالمي اليونسكو في عام 2007، وقد بناها الخليفة العباسي المعتصم كما بنى الخلفاء العباسيون مجموعة من القصور الفخمة عبر توالي السنين، بما في ذلك قصر العاشق الأثري الذي يعود للقرن التاسع والذي يحمل في طياته تاريخ وإرث طويل، ويعتبر أحد القصور العباسيّة.
موقع قصر العاشق
يبعد قصر العاشق عن مشروع الثرثار مسافة 9 كيلومترات، حيث تقع أطلال قصر العاشق على الضفة اليمنى من نهر الإسحاقي المندثر، ويبعد 9 كم عن ملوية سامراء، كما يبعد القصر 44 كم عن مدينة تكريت، و120 كم عن مدينة بغداد، و173 كم عن مدينة كركوك، و263 كم عن مدينة أربيل، وأخيرًا فإنّ القصر يبعد عن مدينة السليمانية مسافة 289 كم.
خريطة قصر العاشق
سبب تسمية قصر العاشق بهذا الاسم
تختلف تسمية القصر بين الناس، حيث يعُرف عند العامّة بالعاشق، بينما يُسمّيه المختصون بقصر المعشوق، ويُلقّب أيضًا قصر العاشق والمعشوق، وتقول الروايات أن الخليفة المعتمد تزوج امرأة كان كثير الشغف والميل إليها، وهي بدوية من نجد لكنها كانت دائمًا في حالة حزن على الرغم من حياة الرفاهية والنعيم التي كانت تعيشها، وحين سألها الخليفة عن السبب أجابت بأنّها تحن لحياة البادية البسيطة وأصوات الغنم ورغاء الإبل، فأمر الخليفة البدو بأنْ يُرسلوا أغنامهم وجمالهم وعزم على بناء قصر في منطقة نائية غربيّ نهر دجلة، إلّا أنّ الأعرابيّة تذكّرت أهلها فور رؤيتها للقصر، فأجهشت بالبكاء منشدةً: “وما ذنب إعرابية قذفت بها صروف النوى من حيث لم تك ظنت”، فقام الخليفة بإرسالها إلى أهلها في البادية دون أن يقطع علاقته بها.
في رواية أخرى قيل أنّ أحد الأمراء بنى هذا القصر الكبير من أجل أميرة كان يعشقها وكانت تعيش في الجهة المقابلة من مكان إقامته، حيث كان يُراقبها من القصر، ثم أهداها القصر مهرًا لها بعد أن وافق والدها عند التقدّم لخطبتها، ولم يبق من القصر إلّا أطلال الجدران.
تاريخ قصر العاشق
اتّخذ الخليفة المعتمد بالله بن المتوكل قصر العاشق مقرًا لخلافته في الفترة الممتدة ما بين (256- 279) هجري، ويتألف القصر من طابقين، ولم يُكتشف الطابق الأرضي كاملًا، لكنه من المرجح أنّه تم استخدام هذا الطابق للسكن أيام الصيف، كونه يحتوي على عدد كبير من الغرف، ووجد فيه خمسة أبواب وقسم من الأواوين وبقايا سلم إلى جانب عدد من آبار المياه العذبة النقيّة، حيث كانت تُرفع المياه منه بواسطة الدلو والبكرات إلى الطابق الثاني، وبعض الآبار مُخدّمة بواسطة شبكات أنابيب مفخورة غايةً في التطوّر، وذلك لتصريف المياه الآسنة المُستعملة في الحمامات والمرافق، ويجدر بالذكر أنّه تم العثور في العام 1986 على عشرات القطع من العملات الذهبية والفضية والبرونزية مُكوّنةً كنز ذهبي، والتي صُكّت من أيام الخلافة العباسية وذلك أثناء عمليات الصيانة.
تصميم قصر العاشق
يضم القصر مجموعةً من الغرف مُتوزّعة حول ساحةٍ مُستطيلةٍ واسعةٍ فيها بيوت الجند وحرس الخليفة، كما يوجد نفق سري يبلغ طوله 24 متر وبارتفاع 2 متر وعرض 2.5 متر، ويقع مجلس الخليفة في الطابق الثاني
يحُيط بالقصر سور على هيئة جدارٍ عالٍ تصل سماكته إلى 2.6 متر، ويدعم السور أبراج شكلها نصف دائري أو أسطواني بقطر 4 متر، ويبلغ عددها 22 برج، ويُحيط بالسور خندق واسع تجري فيه مياه جوفيّة تنبع من أراضي الجزيرة الغربية.
يوجد ممر يُشبه السلم لكن دون درجات، وهو مُشيّد من من الآجر والحصى في الجهة الشمالية، ويُساعد في الوصول إلى مرافق القصر العليا، وهو ذو تصميم حلزونيّ، وتم تأمين الإضاءة والتهوية فيه من فتحات جانبية موجودة على الجدران.
ترميم قصر العاشق
أعلنت مفتشية آثار صلاح الدين عن بدء عمليات الترميم للمواقع الأثرية الموجودة في سامراء وباقي المحافظات، حيث تُعدّ مدينة سامرّاء من أغنى مدن العالم بآثارها من حيث القيمة التاريخية والفنية، من قصر العاشق، وقصر البركة، وقصر زخارف، ومسجد الملوية، ومسجد أبي دلاف، والكنيسة الخضراء، كما اقترحت المفتشية تخصيص مبالغ للصيانة المستمرة، وصرّح مُفتّش الآثار سعد الخزرجي أن الهدف توفير فرص إضافيّة لجذب السياح وزيادة عددهم من خلال إعادة الحياة إلى هذه المواقع، وتوفير دخل إضافيّ للبلاد من خلال تحويلها لمقاصد سياحيّة، وتجري حاليًا أعمال الصيانة للمواقع الأثرية الموجودة في سامراء، كما تم نقل النفايات والتراكمات التي كانت في بعض المواقع.